سافرت شقيقتها للعمل في القاهرة، تغادر من المحافظة محل نشأتهم إلى القاهرة يوميًّا،
تربطهما علاقة وثيقة.. ليس فقط رابط الدم..
أعمارهما متقاربة..
هما شقيقتان وصديقتان مقربتان..
يتشاركان كل أحداث الحياة بتفاصيلها، حتى أصدقاؤهما مشتركين..
تتشابه ميولهما وإن اختلفت طباعهما..
فهما يحبان ذات الطعام.. يفضلان ذات الملابس.. وهكذا
لكنهما يختلفان في مواجهة أمور الحياة..
دينا الأكبر سنًّا بعامين..
بعد عملها في القاهرة وجدت لشقيقتها يمنى عملا معها في ذات الشركة..
يسافران يوميا من وإلى القاهرة..
والدهما كان من الصغر يشجعهما على تجربة شتى مجالات الحياة..
قام بتربيتهما على التوكل على الله ثم الاعتماد على النفس تماما..
على الإقدام.. الشجاعة.. الطموح.. عدم الاستسلام.. الجد والمثابرة..
تزوجت دينا وأنجبت بنتا وولدا..
وتزوجت يمنى.. ورزقها الله بزوج يشاركها طموحها وأحلامها وإقدامها على الحياة..
يمنى تحب التخطيط لأمور الحياة..
كبيرة الطموح.. عظيمة الآمال..
لديها الكثير من الخطط والأهداف التي تسعى جاهدة لتحقيقها..
سافرت دينا مع زوجها وأبنائها للعمل في الخارج..
ثم يسر الله للشقيقتين اللقيا في الغربة في ذات المدينة..
واجتمعا فيها لمدة ستة أشهر..
تنهي يمنى عملها وتتوجه إلى بيت أختها حين يسافر زوج كل منهما..
أو تعود لبيتها وتأتيها دينا وصغارها للمبيت..
وتمضي الحياة بانشغال يمنى الشديد بعملها وزوجها..
وشقيقتها وطفلي شقيقتها اللذين تعشقهما..
بدأتا بالتحضير لاستقبال الوالدين والشقيقة الصغرى حيث سيتوجهون جميعا لأداء العمرة..
وحضر الأهل.. والتم شمل أفراد الأسرة..
سيتوجهون إلى مكة المكرمة متفرقين..
انطلقت دينا وزوجها وأولادها للسفر بالسيارة..
ويمنى وشقيقتها الصغرى والوالدان سيتبعونهم بالطائرة..
لن يتمكن زوج يمنى من السفر معهم للأسف..
تحادثتا.. دينا في السيارة..
يمنى والأسرة سيتوجهون للمطار..
بعد انتهاء الإجراءات..
يسأل الوالد عن سبب عدم رد دينا على الهاتف..
يهاتفها ليتأكد من ترتيبات اللقاء بينهم..
لا رد..
تتصل يمنى عدة مرات.. لا مجيب..
أخيرا..
يجيب أحدهم..
رجلٌ ما..
تسأل يمنى: أين دينا؟ من أنت؟
صمت..
ثم أجاب: إنها في المشفى
لقد وقع حادث..
زوجها نُقل بالطائرة إلى مشفى العاصمة..
دينا حالتها خطيرة.. لا يمكن نقلها حاليا..
ستبقى في مشفى هذه المدينة التي كان الحادث قريبا منها..
ننتظركم لاستلام الابن.. هو بخير..
والفتاة؟ أين الفتاة؟؟
نبحث عنها
هرعوا للمشفى..
وجدوا الفتاة وهي بخير..
دينا ليست بخير..
مكثت في الرعاية الفائقة لثلاثة أشهر..
وأهلها حولها في تلك المدينة بعيدا عن العاصمة..
استحال نقلها لخطورة حالتها..
اضطرت يمنى للعودة لعملها في العاصمة..
تسافر أسبوعيا من مقر عملها في العاصمة إلى أهلها..
ثلاثة أشهر من العذاب والألم لأسرتها جميعا..
ثلاثة أشهر من الدعاء لدينا بالنجاة والشفاء..
ثم قدّر الله
وتوفيت دينا..
وتركت قلوبا مكلومة..
وجدت يمنى نفسها مسؤولة عن شتى الأمور..
عن غسل أختها..
عن محاولات بث الصبر لكل أفراد العائلة..
وحدها..
وقت الغسل تنظر حولها..
لم تجد أحدا..
حضر صديق زوجها فقط..
تولت يمنى أمر الاهتمام بوالديها ودعمهما نفسيا بعد وفاة كبراهما..
وأمر الاهتمام بصغيري شقيقتها..
لأول مرة تتولى رعاية صغار وحدها..
بعد عدة شهور..
سافر الوالدان..
بقي الحفيدان في رعاية والدهما وجدتهما لأبيهما..
ويمنى تنهي عملها ثم تتوجه إليهما يوميا..
بعد شهر وبضعة أيام سافر الحفيدان لبدء حياة جديدة مع جديهم..
لتبدأ فصول حياة جديدة..
بدأت يمنى هذه الفصول الخالية من (دينا) بشعور بالتشتت والضياع الشديد..
كثير من القرارات المتضاربة التي تفكر فيها..
شتات لخلو حياتها المفاجئ من أختها..
أختها التي كانت عمودا راسخا في حياتها.. بكل فصولها..
ثم بدأت يمنى تشعر بتغير كبير يحدث داخلها..
تغيرت رؤيتها للحياة..
نظرتها لشتى الأمور..
اختلفت أولوياتها..
أيقنت أن وفاة أختها أثرت فيها أعمق التأثير..
كان العمل والطموح محور حياتها..
الآن وجدت نفسها تحدثها بغير ذلك..
تسألها نفسها؟ ماذا لو كنت أنت المتوفاة؟
ماذا تركت؟ أين إرثك؟
انظري إلى دينا وسيرتها الطيبة..
دائما يُذكر عنها مقولة (السيرة أطول من العمر)..
عمرها قصير لكنها تركت إرثا كبيرا..
وبدأت الحياة تتغير..
وتتخذ منحنىً جديدا..
قررت يمنى وزوجها أخيرا أن يبتا النظر في أمر تأخر إنجابهما..
يخبرهما الأطباء أن فحوصاتهما طيبة وخالية من أي مشكلات..
لا يوجد ما يمنع الإنجاب لدى كليهما..
عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي
وجدت يمنى مجموعة تضم كثير ممن تأخر لديهم الإنجاب
انضمت لهم
ثم وجهت كل طاقتها لدعمهم..
تتذكر دائما مقولة "تذوقت الألم، وعرفت كيف أنجو"..
فأصبح شغلها الشاغل مساعدة هؤلاء المتألمين..
وإن كانت هي أكثرهم..
تذكر نفسها وإياهم دائما بمقولة (ما خَلق ليعذب سبحانه وتعالى)..
تتعجب من كيفية التغير الذي حدث لها بسبب وفاة أختها..
كيف تغيرت نظرتها نحو الحياة وتفاصيل الأمور..
ذات يوم وفي تلك المجموعة..
طلبوا من يمنى رأيها في منشور ما
كتبت فيه إحداهن عن تعجبها من أمر أخيها وزوجته
لأنهما قررا كفالة طفل بعد أن استحال أمر الإنجاب لديهما..
وكانت كاتبة المنشور تتعجب من عدم رضاهما بقضاء الله..
وسعيهما نحو إحضار طفل لم ينجباه..
ردت يمنى على المنشور
ومما كتبت أنه لا يمكن لأحد أن يشعر بما يشعران به..
إلا أن يكون قد مر بتجربتهما..
وأنه من حقهما البحث عن كل بديل متاح..
وكانت هذه أول مرة تسمع فيها يمنى بأمر الكفالة..
ثم وجدت رسالة من إحداهن تشكرها على ردها الطيب..
وأنها أثلجت صدور كثيرين..
تبادلا الحديث قليلا..
ثم قالت ليمنى: أترين هذه الطفلة في الصورة معي؟
لقد كفلتها منذ ثلاثة أعوام..
تعجبت يمنى.. أيوجد هذا الأمر حقا؟
نعم عبر وزارة التضامن الاجتماعي.. وقد سافرنا بها عائدين إلى حيث نحن مغتربين..
تسأل يمنى في تعجب: أيمكن هذا؟ نعم.. لقد سافرنا بالفعل..
فيما بعد تتحدث يمنى إلى زوجها..
تخبره بأمر المحادثة والكفالة..
يرد زوجها ببساطة: لم لا نفعل مثلهم؟
ترد يمنى بإصرار شديد: لا طبعا.. لا حاجة لنا بالأمر..
سنستمر في المحاولات إلى أن يأذن الله لنا..
وترفض الفكرة شكلًا وموضوعا..
ثلاثة أعوام عجاف من المحاولات الحثيثة للإنجاب..
استنزاف شديد للمشاعر والصحة والأموال والصحة النفسية..
فيما بعد تقول يمنى:
"علمت أنه كان لابد لي من المرور بهذا المحنة بكل تفاصيلها
استعدادًا لما هو أكبر وأقوى"..
بعدها شرح الله قلبها لأمر الكفالة ووافقت زوجها..
وعادت يمنى إلى أرض الوطن لتبدأ الإجراءات..
ولأول مرة تدخل دار الرعاية.. والتي لم تدخلها يوما في حياتها..
حياتها كانت ملأى بالعمل والمسؤوليات وتحقيق الطموحات..
البحث في دور الرعاية كان فصلًا من الصدمات والألم..
صدمة لمرأى أطفال في أحوال يرثى لها.. لا توصف ببضع كلمات..
بدأت يمنى البحث في فصل الشتاء..
الطقس شديد البرودة..
والأطفال في الدور لا يرتدون سوى أقل القليل من الثياب..
أطرافهم باردة تميل للزُّرقة
شديدو الضعف.. أنوفهم تسيل..
أحوالهم تدمي القلوب..
واختارت يمنى بنتًا..
لم تنم لليال طويلة قبل أن تنتهي الإجراءات وتغادر معها أخيرا إلى بيتهم..
لم تشعر بسعادتها مكتملة..
لم يفارقها لحظة مرأى باقي الصغار..
تقول يمنى: "أخذت صغيرتي وغادرنا.. ثم ماذا؟ ماذا عن باقي الصغار؟
أأتظاهر بعدم رؤية ما رأيت؟"
لا تغادر صورهم خيالها..
مصطفى الذي تمسك بساقها..
الصغيرات اللواتي تجمعن حولها..
كان لابد لها من العودة للغربة بعد انتهاء الإجراءات..
اتصلت بزوجها: لن أعود حاليا..
سأعلن للجميع أمر كفالتنا لصغيرتنا..
ثم أتحدث عن الصغار..
اتفقا على إنشاء صفحة عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي..
والكتابة فيها عن أمر كفالتهما لصغيرتهما..
والحديث عن أمر الكفالة عموما..
يمنى كانت في أوج سعادتها بصغيرتها..
حديثة عهد بالأمومة..
حين تغفو صغيرتها مساءً.. تظل يمنى تطيل النظر إليها..
ترفع عينيها مغرورقتين بدموعهما للسماء..
تتنهد في حرقة وتحمد الله..
هذه الفرحة الشديدة.. منعتها من الانتباه لتفاصيل مهمة..
فمواجهة المجتمع بهذا الخبر لم تكن يسيرة..
لم يكن لديها بعد الخبرة في أمر الأمومة ولا الكفالة..
ومن ذلك أنها حين أنشأت الصفحة أسمتها (التبني في مصر)..
تحدث إليها كثيرون بأن ما تفعله حراما.. بل وفضيحة للصغيرة..
صورت مقطعا تحدثت فيه عن أمر الكفالة.. وإجراءاتها..
وأنه ليس (تبنيًا).. ووضعت الفتوى..
كبر أعضاء الصفحة..
وتواصل معها عدد من الأسر الكافلة..
فصُدمت يمنى من كم المشكلات التي يعانون منها..
منها التسجيل في مقاعد الدراسة..
عدم السماح بالتأمين الصحي حتى وإن كان لدى رب الأسرة الكافلة تأمينا..
عدم السماح بعضوية أي ناد رياضي..
عدم السماح لهم بكل ما له قيد عائلي..
في إحدى زيارات يمنى للوزارة لعمل أوراق السفر لصغيرتها..
تحدثت مع الموظفين وعلموا بأمر صفحة الكفالة وعدد أعضائها..
و تطوعت يمنى للتواصل بين الوزارة والأسرة الكافلة..
ثم بدأت فكرة إنشاء مؤسسة رسمية تطوعية غير هادفة للربح..
وسُميت (مؤسسة الاحتضان في مصر)..
كان الهدف الأول من إنشاء المؤسسة تقليل عدد الأطفال في دور الرعاية..
وذلك بتسهيل إجراءات الكفالة..
ثم بعد عامين من هذه التسهيلات وجدوا أن الأمر ليس في صالح الصغار كما ظنوا..
وأن عالمنا يعج بمرضى وغير أسوياء..
وأنه ليس عالمًا مثاليا يحيى فيه الطيبون فقط..
تغيرت أولويات يمنى وفريق العمل في المؤسسة..
وأصبح الهدف: مجتمع من الأسر الكافلة الواعية..
واعية لمعنى الاحتضان وتَبَعاته..
واعية لكيفية تربية طفل أنهكته سنوات دور الرعاية..
نعم تغيرت الأولويات..
وأصبحت الأولوية للقيمة وليس للكم..
ليس كم عدد الأطفال الذين تم احتضانهم..
بل جودة حياة من تم احتضانهم..
الاطمئنان بأن بيوتهم صالحة.. وحياتهم طيبة..
المعادلة حقا شديدة الصعوبة..
فدور الرعاية في معظمها غير آمنة ولا آدمية..
يتم فيها إيذاء الأطفال جسديا ونفسيا..
لا حقوق لهم فيها ولا آدمية..
لكن أيضا عدد ممن يتقدم للاحتضان غير مؤهل بل ولا يستحق..
في دور الرعاية لا يجد الطفل محبة ولا ما يعبر عن الحب..
يُمنع على القائمين عليهم احتضانهم..
لأن هؤلاء المشرفين يتغيرون باستمرار..
فيكون أول ما يتعلمه الطفل منذ صغره عدم الانتماء..
فهو لا ينتمي لمكان ولا لشخص..
انتماؤه الوحيد لأخوته الذين معه في الدار فقط..
لأنهم غير قابلين للتغيير..
بينما كل شخص آخر وكل مكان قابل للتغيير..
لذلك حين تحتضن أسرة طفلا..
يصبح الأمر شاقا..
وكأنهم يتحدثون بلغتين مختلفتين..
وحقيقة الأمر أن الطفل لا يفهم لغة المشاعر..
لا يعي الحب والاهتمام..
والأسرة الحاضنة لا تفهم الخلل الذي لدى صغيرهم..
خاصة وإن تم احتضانه بعد أن كبُر قليلا وأصبح يعي ويفهم..
أما الصغار والرضع فإنهم يعانون من متلازمة التخلي..
لمثل هذه الاضطرابات أعدت المؤسسة دورات واستشارات..
لتأهيل الأسر الحاضنة وصغارهم..
لإعداد الأسر وتثقيفهم..
ولإِطْلاعهم على بعض مما قد مر به هؤلاء الصغار..
من حكايات صامدة تدمي القلوب من بعض الأسر الحاضنة عن صغارهم بعد الاحتضان..
ما حكته أمٌّ حاضنة عن خوف ابنها الرضيع الصغير كلما احتاج لتغيير حفاضته..
أو قيامه بوضع يديه في وضع الدفاع كلما اقتربت منه..
أو خوف الطفل من التعبير عن حاجته لأي حاجة طبيعية من جوع أو ظمأ أو غير ذلك..
حكت أمٌّ أخرى عن صغيرها بعد الاحتضان..
ذات مرة أرادت أن تدخل المطبخ للطهي..
قالت لصغيرها ابقَ هنا ولا تدخل المطبخ حتى لا تصاب بأذى..
بعد مضيِّ وقت فوجئت بصغيرها في ذات البقعة التي تركتها فيها..
لم يتحرك قيد أنملة..
خاف أن يتحرك فيُعاقب كما كان يحدث معه في دار الرعاية..
صغير آخر فوجئوا به عند زيارة لأقاربهم بأخذه لدمى صغيرتهم..
قام بصفِّهم جنبا إلى جنب ووجوههم إلى الحائط..
وأخذ يصفع كل منهم على رأسها من الخلف..
وكثير من حكايات أخرى يدمى لها القلب..
كلها سلوكيات اكتسبها الصغار نتيجة معيشة شديدة القسوة..
لا رحمة فيها ولا إنسانية..
بعض الصغار كانوا لا يعرفون الطعام ولا الفاكهة بمسمياتها الحقيقة..
يخبرونهم بأن البرتقال هو التفاح..
فإذا جاء زوَّارٌ وسألوا الصغار عن أحوالهم وما يأكلون مثلا..
أجابوهم بأنهم يأكلون التفاح..
فيظن الزوار بأنها دارٌ ترفِّه قاطنيها وتوليهم رعاية جيّدة!
نتيجة لهذه الظروف القاسية..
ينشأ كثير من الصغار بكثير من الاضطرابات النفسية..
ولا تعي الأسر الحاضنة في كثير من الأحيان هذه الاضطرابات..
لا يتفهمون حالة صغيرهم لأنهم لم يعلموا ما قد مرَّ به..
وما سيحدث له نتيجة هذه النشأة القاسية..
وهذا الأمر ترتب عليه في كثير من الأحيان قرار شديد الخطورة واللا إنسانية..
عدد من الأسر وللأسف الشديد قرروا إعادة الصغير إلى دار الرعاية..
قرار فيه تدمير لما تبقى من نفسية الصغير وآدميته..
وكأنه بضاعة تم إعادتها إلى المتجر لعدم موافقتها للشروط الصحيحة..
لابد للأسر الكافلة أن تضبط أهدافها من الكفالة..
وأن تكون على علم ودراية تامة واطلاع بما ستقبل عليه..
وبما ينتظرها في أيام ما بعد الاحتضان..
بعض الأسر وإن كانت طيبة الخُلق ونيتها طيبة..
إلا أن أهدافها خاطئة تماما..
فلا يمكن أن يقدم شخص ما على الاحتضان وما يتبعه من ضغوط شديدة لمجرد احتياجه للأُنس..
أو ليسعد زوجته.. أو ليشغلها عنه.. أو غير ذلك من الأهداف التي لن تصمد أمام الواقع القاسي..
فتكون النتيجة الحتمية المريرة هي إعادة ذلك المسكين إلى دار الرعاية التعيسة..
كما فعلت إحدى الأسر الحاضنة بإعادة طفلة بعد خمسة أعوام من الاحتضان..
وتسببوا لهذه الطفلة بصدمة نفسية شديدة..
لذلك كان قرار تسهيل إجراءات الكفالة قرار غير موفق..
لأن صحيح الهدف والمقصد والنية..
المستعد نفسيا وذهنيا لتحمل كل تبعات الكفالة..
سيكمل إجراءات الكفالة بسعة صدر وتفهِّم لسبب هذه الإجراءات..
أما من لم تصح نيته ولا هدفه فإنه سيتأفف سريعا ولن يكملها..
وبالتالي تقلُّ فرص احتضانات غير جادة تتبعه خسارات مؤلمة..
أما ما ينبغي تسهيله حقيقة وتغييره..
هو إجراءات ما بعد الكفالة..
من احتياج للطفل للسفر أو أوراق إلحاقه بمدرسة ما..
أو غير ذلك مما تعاني منه الأسر الحاضنة مع صغارها..
الكفالة قرار له تَبعات..
يحتاج لنوايا صادقة.. وأهداف صحيحة..
الأمومة بعد الاحتضان أمومة عادية.. متفهمة..
الطفل المكفول طفل عادي.. يمر بمراحل مراهقة وغيرها..
يحتاج لتفهم واستيعاب..
الأسر البيولوجية تتحمل أطفالها..
بينما بعض الأسر الحاضنة تظن أن لديها دائما خيار إعادة الطفل..
وكأنه بضاعة قابلة للإعادة..
بعض الأسر الكافلة أجرمت في حق من احتضنوهم..
من إعادة لهم..
أو إساءات أخرى شديدة..
إلا أن نماذج أخرى كثيرة أحسنت أيما إحسان..
بل إن بعض الآباء الحاضنين قد زوجوا أبناءهم..
وهم الآن أجدادا..
وأحفادهم بالكفالة قد سُمُّوا بأسمائهم..
يجعل الله من المِحنِ مِنَحًا..
تدعو يمنى أن يجمعها الله بكل طفلٍ ساعدته على باب الجنة..
علَّهم يشفعون لها..
ذلك الشخص الذي قرر تغيير حياة طفل..
وأراد أن يكون له الوالد والأمن والأمان..
أراد بملء إرادته أن يكون حِصنًا لطفله..
ودرعه الواقي من الألم في طفولته وصباه..
ومن المستقبل الحزين التعيس..
ذاك رجل جعله الله سببا لتغيير حياة كاملة لإنسان..
وإن كان في الأمر مشقة وتحديات..
لذلك وعده رسول الله ﷺ بالجنة، ولا أقل من ذلك..
قال رسول الله ﷺ:
»أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين ، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني : السَّبَّابةَ والوسطى».
وروى الإمام مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال:
»كافِلُ اليَتِيمِ له، أوْ لِغَيْرِهِ أنا وهو كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ وأَشارَ مالِكٌ بالسَّبَّابَةِ والْوُسْطَى»..
بقلم :رحاب حمدي Rehab Hamdy
#فقدٌ_وأمل